
ثمة معاني مثار لمداد من الأسئلة التي لا تنتهي ، يحار المرء فيها ومنها ، ومن تلك المعاني التي كانت أكثر الأسئلة طرحاً من قبل الإنسان هي _ الحياة _
منذ اللحظة التي أدركنا فيها بحقيقة الوجود ، رافقتنا العديد من التساؤلات ، من نحن ؟ لماذا نعيش ؟ ما هي الحياة ؟
حين كنا صغاراً كانت الحياة تبدو في أنظارنا مجرد دمية ، وقطعة حلوى .. !!
وعلاقتنا بأمهاتنا وآبائنا إضافة لمعلمة الصف هي محور كل حياتنا .. !!
حين كبرنا أكثر وخضنا عواصف مرحلة المراهقة ، كنا نعتقد أن الحياة هي أن نثبت أنفسنا للعالم ، أننا كبار ، أحرار ، وقادرون على اتخاذ القرار بأنفسنا .. !!
نكبر أكثر ، فنسافر مع طموحنا لأرض الأحلام ، حيث الدراسة و الوظيفة والحياة العلمية والعملية تأخذ منا أقصى اهتماماتنا ..
وماذا بعد ؟
تستمرعجلة الزمن في المضي فنرغب في الارتباط بشريك الحياة ، وإنجاب الأطفال وتكوين عائلة ، وبذلك نحقق الاستقرار العائلي والاجتماعي ..
يتواصل شريط حياتنا بالتقدم ، يمتلئ المنزل بالأحفاد في يوم الجمعة ، يقبلون رؤوسنا ، يثيرون الجلبة هنا وهناك ، ونبدأ في إشهار عصاتنا أمام وجوههم التي تبتسم بشغب طفولي
وخلال مراحل حياتنا هذه كلها ، تهاجمنا الهموم و المصاعب بين فينة وأخرى ، فنتبرأ منالحياة كأن لا خير فيها ، وعندما نرزق بالأخبار السعيدة ويطرق أبوابنا الفرح نقبل على الحياة بحب كأن لا شر فيها .. !!
وبين كل ذلك تأخذ أفكارنا ومعتقداتنا ومشاعرنا حيزاً كبيراً في فهم وممارسة الحياة ، فالمعتقدات الدينية لها النصيب الأكبر في ذلك ، إضافة إلى أنها دليل إرشادات في كيفية التعامل مع هذه الرحلة القصيرة فهي غذاء الروح وذلك ما تؤمن به الأديان قاطبة ..
ولكن السؤال الأهم الذي يطرح وجوده ؟!
هل هذه هي الحياة حقاً ؟ بهذا التسلسل الروتيني الذي أورثته لنا مكتسباتنا الثقافية والاجتماعية ؟!
أيمكن أن نفهم من هذا كله أن الحياة هي مجرد احتياجات ترافق كل مرحلة عمرية ؟!
وأن علينا تلبية هذه الاحتياجات لنشعر أننا على قيد الحياة ؟!
لطالما نظرت إلى الحياة ، على أنها شيء أكبر من احتياجاتنا ، نظراتنا ، سلوكياتنا ،مشاعرنا وأفكارنا ..
هذه الحياة أكبر منا جميعاً ونحن أمامها صغار جداً _ بحجم حبة البازلاء _ !!
نحن بالفعل نمتلك نظرة ضيقة تجاه الحياة ، لأننا نحاول في كل مرحلة عمرية حشر مفاهيمنا وتطلعاتنا فيها باسم الحياة ، إننا نلصق عنوة أفكارنا ومشاعرنا على حائط الحياة لنقول لنا وللعالم أجمع أن هذه هي الحياة رغم أنها بريئة من كل ذلك براءة الذئب من دم يوسف .. !!
ما يعشعش في أذهان الناس ، أن الحياة هي إطار زمني ومكاني مؤقت وأنهم جزء من هذا الإطار فقط، غير أن ما أظنه أنا هو أن الحياة في حقيقة أمرها جزء منا أيضاً ، بل هي كلنا وأن الحياة هي ما تعيش فينا ، في قالبنا نحن .. وأن كل الحيثيات المكانية والزمانية التي أتيحت لك هي مسار تتفاعل فيه حياتك مع حيوات الآخرين ، ولكي تسمح للحياة التي في داخلك أن تعيش وفق هذه الحيثيات ..
أو ربما ما أنا متيقنة منه على الأقل أن الحياة انتصفت لتعيش فينا ونعيش فيها وأننا والحياة وجهان لعملة واحدة .. !!
ولربما هذا يتعارض مع فكرة أن الحياة أكبر منا رغم أنها في الحقيقة _ نحن _ الذين نستم ردائماً في هجائها وعتابها ، ربما تبدو أفكاري مشوشة ولكن ما أريد إيصاله أنه بالرغم من محاولاتنا الحثيثة في فهم جوهر الحياة الكبيرة أمام ضآلة حجمنا والتعاطي معها إلا أن ذلك لا ينفي أن جزء من الحياة يقبع بداخلنا وإن كان أكبر من مساحة إدراكنا له ..
هذه الحياة ليست صديقة دائماً ، ليست عدوة دائماً ، إن هذه الحياة لعوبة جداً تحب أن تتقمص كل الأدوار لتلعب فيك أو عليك ، أنت المسرح الآن ، لذا عليك أن تتقبل الحياة بكل أشكالها ، الشريرة منها والطيبة ..
بالمناسبة ، ثمة لعبة أخرى تمارسها الحياة وهي تبديل الأدوار معك ، فقد تتحول هي لمسرح وتتحول أنت إلى البطل الذي يلعب على أرضها..
ومتى مافهمت ذلك ، عرفت أن _ المطاطية _ في التعامل مع الحياة هي أفضل الحلول كي تعيش ،إنها لعبة ، علينا أن نفهم ذلك .. هذه الحياة لعبة ولكننا دائماً ما نستمر في أخذها بجدية مقيتة .. تستنزف قوانا وطاقتنا .. !!
وهنا تتجلى فكرة أن الحياة هي أنت ، فبرأيي في كثير من الأحيان تتجسد الحياة على أنها ورقة بيضاء أو سوداء وأنت من تلونها بنظرتك لها .. إن الحياة صفحة محايدة على الأغلب ، وأنت الكاتب ، بالطبع لن تكون الكاتب الوحيد ستجد الكثير من خربشات الآخرين وتواقيعهم تفسد أو تزين صفحة حياتك ، لكن ما يجعل لك التفوق والريادة في تقرير مصير حياتك هو أن بحوزتك " الممحاة " .
لذلك فلنتوقف عن هجاء الحياة وإلقاء اللوم عليها ، يجب أن نوسع أطر نظرتنا للحياة بعيداً عن المفاهيم التي يصوغها المجتمع ، أن نخترع أفكاراً جديدة تجعلنا نوظف الأسباب التي نعيش من أجلها في ميادين التطبيق بـ رؤى أكثر إثارة وإبداع ..!!